فصل: الباب السابع: في الحيض والنفاس وما يتصل بهما:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة



.الفصل الثالث: في أحكام التيمم:

وله حكمان:

.الأول: أنه يبطل برؤية الماء قبل الشروع في الصلاة:

إلا أن يخشى فوات الوقت باستعماله لضيق الوقت فيخرج على ما تقدم، وأولى ها هنا بترك الاستعمال. ولا تبطل الصلاة بعد الشروع فيها، ولا توجب الإعادة بعد الفراغ منها.

.الثاني: أنه لا يجمع بين فرضين بتيمم واحد على المشهور:

وقال القاضي أبو محمد: وهو معلل بثلاث علل:
الأولى: أنه لا يرفع الحدث، ولا يستباح به إلا أقل ما يمكن فيه.
الثانية: أنه لا يتقدم على الوقت.
الثالثة: أن الطلب واجب لكل صلاة.
وروى القاضي أبو الفرج: أنه لا بأس أن يجمع بين صلاتين من الفوائت بتيمم واحد، وأجاز الشيخ أبو إسحاق أن يجمع المريض بين فرضين بتيمم واحد.
وخرج بعض المتأخرين الخلاف في ذلك على الخلاف في وجوب الطلب وشرطية دخول الوقت، ورأى بعضهم تخريجه على الخلاف في كون التيمم يرفع الحدث، وقد اشتد نكير القاضي أبي محمد على من يضيف هذا القول إلى المذهب.
تنبيه:
رأيت للقاضي أبي بكر في بعض كتبه: أن التيمم يرفع الحدث، وعزاه إلى المذهب ونصره، ثم رأيت له في غيره ما نصه: إن الحدث سبب تثبت عنه أحكام، فاستعمال الماء يرفع السبب، فترتفع الأحكام بارتفاع سببها. والتيمم يرفع الأحكام رخصة مع بقاء سببها، فلا يبقى حكم، لكن السبب باق، ونصر هذا. ويظهر لي أنه آخر قوليه، وهو عندي أحسنها.
فرع:
فإن جمع بين فرضين بتيمم واحد، فقال ابن القاسم في العتبية: يعيد في الوقت، ولو أعاد أبدا كان أحب إلي، وقال في كتاب محمد: يعيد أبدا.
وقال أصبغ: إن كانتا مشتركتي الوقت كالظهر والعصر والمغرب والعشاء، أعاد الثانية في الوقت، وإن كانتا غير مشتركتي الوقت كالعصر والمغرب، أعاد الثانية أبدا، وقال: هذا معنى قول ابن القاسم.
ويجمع بين فرض ونوافل وبعده بتيمم واحد، ويجمع بين الطواف وركعتيه بتيمم واحد، لأنهما كالتابع له.
ولو نسي صلاة من خمس صلوات صلى الخمس بتيمم لكل واحدة على المشهور.
وقد تقدم أنه لا يتيمم لفريضة قبل دخول وقتها على المعروف من المذهب، ودخول وقت الفائتة بتذكرها.
ولو خشي فوات الجمعة إن تشاغل بالماء، ففي جواز التيمم له ليدركها قولان.
فرع:
من لم يجد ماء ولا ترابا، على رأي من يشترطه، أو تعذر عليه الوصول إلى الصعيد، فقال مالك وابن نافع: لا صلاة ولا قضاء، وقال ابن القاسم: يصلي ويقضي، وقال أشهب: يصلي ولا يعيد، وقال أصبغ: يصلي إذا قدر.
والشيخ أبو الطاهر يرى سبب هذا الخلاف الاختلاف في كون الطهارة شرطا في الوجوب، فتسقط الصلاة عمن تعذرت عليه، أو شرطا في الأداء، فيقف الفعل على الوجود.
قال: وأما الصلاة في الحال دون الإعادة أو معها، فمبنيان على الأخذ بالأحوط وبالغ أحدهما في الاحتياط.
والقاضي أبو بكر يرى كون الطهارة شرطا في الأداء لا في الوجوب متفقا عليه مع وجود هذا الاختلاف.

.الباب السادس: في المسح على الخفين والجبائر:

وفيه فصلان:

.الفصل الأول: في المسح على الخفين:

هو مشروع رخصة للرجال والنساء في السفر وفي الحضر أيضا على الرواية المشهورة.
قال ابن وهب: وإليها رجع مالك رحمه الله قال: وآخر ما فارقته عليه إجازة المسح في الحضر والسفر. قال القاضي أبو محمد: وهي أصح وأقيس.

.والنظر في شرط المسح وكيفيته وحكمه:

.النظر الأول: في شرط المسح:

وله شرطان:

.(الشرط) الأول: في الملبوس:

ولا شك في جواز المسح على الخف الذي اعتادته العرب إذا كان مفردا ساترا لمحل الوضوء صحيحا، وينتج من هذا التقييد فروع لتخلف بعض هذه القيود.
الأول: أن يكون الملبوس غير خف كالجورب واللفافة وشبه ذلك، فلا يمسح عليه.
الثاني: أن يكون خفا غليظا ليس له ساقان، ففي المسح عليه قولان، وهما على القياس على الرخص.
الثالث: الجرموق، واختلف في المراد بهذه اللفظة، فقيل: الجرموقان هما الجوربان المجلدان، وقيل: هما خف على خف، وق يل: هما خفان ذوا ساقين غليظين، يستعملهما المسافرون مشاة. والصور الثلاث مختلف في جواز المسح عليها في المذهب.
فرع مرتب:
إذا قلنا بأنهما خف على خف، وقلنا بالمسح على أحد القولين، فمسح على الأعليين ثم نزعهما، فليمسح على الأسفلين، كما يغسل الرجلين إذا نزع الخفين.
الرابع: أن يكون الخف غير ساتر لمحل الوضوء كالمحرم، يقطعه أسفل من الكعبين، فالمعروف من المذهب أنه لا يمسح عليه، وانفرد الوليد بن مسلم، فروي أنه يمسح عليه ويغسل ما بدا من كعبيه.
وأنكر القاضي أبو الوليد هذه الرواية عن مالك، وقال: إنها مذهب الأوزاعي، قال: والوليد كثير الرواية عنه.
الخامس: أن يكون الأرض خف مخرقا، فإن كان الخرق قليلا مسح عليه، ولا يمسح إذا كان كثيرا.
ثم في تحديد الكثير مذهبان: رواية المتقدمين أن المراعي ظهور القدم كلها أو جلها، فإن ظهر ذلك لم يمسح. قال في الكتاب: إن كان الخرق قليلا لا تظهر منه القدم، فليمسح عليه، وإن كان كثيرا فاحشا تظهر منه القدم، فلا يمسح عليه. ورأى البغداديون اعتبار إمكان مداومة المشي، فإن لم يمكن لم يمسح، فراعى الأولون ظهور المبدل، وراعى العراقيون فقد علة اللبس.
فرع:
لو شك في مجاوزة الخرق للقدر المعفو عنه لم يمسح؛ لأن الأصل الغسل، وقد شك في محل الرخصة.

.الشرط الثاني: في اللابس:

وإذا لبسهما على طهارة بالماء كاملة لبسا مباحا للوجه المعتاد من المشي أو التوقي، مسح عليهما.
ويحدث من هذا التقييد فروع:
الأول: أنه لو لبسهما على طهارة التيمم لم يمسح، وقال أصبغ: يمسح المتيمم لبسهما قبل الصلاة.
الثاني: لو لبسهما قبل كمال الطهارة كمن غسل إحدى رجليه وأدخلها الخف، ثم غسل الأخرى وأدخلها، لم يمسح حتى يغسل الأخرى، ثم يبتدئ اللبس.
وقال مطرف: يمسح وإن لبس أحد الخفين قبل كمال الطهارة، ثم اختلف المتأخرون في بناء هذا الخلاف.
فالشيخ أبو الطاهر وغيره يرى أنه ينبني على الخلاف في أن كل عضو هل يرتفع عنه حدثه بكمال طهارته، أو يقف ارتفاع الحدث عنه على كمال طهارة جملة الأعضاء.
والقاضي أبو بكر ينكر كون هذا في المذهب مذكورا لا أصلا ولا فرعا، ويشنع على من يضيفه إليه. ويرى بناء هذا الاختلاف على الخلاف في أن استدامة اللبس هل هي كابتدائه أم لا؟ قال: وهذا أصل تنبني عليه في الشريعة أحكام في الطهارة والإيمان وغيرها، واختلف فيه قول مالك وأصحابه.
الثالث: لو لبس المحرم الخف عاصيا بلبسه لم يمسح عليه، قال القاضي أبو الوليد: لأنه منهي عن لبسه، وإنما يتعلق المسح بما أبيح لبسه.
الرابع: لو لبس ليترخص بالمسح، كما لو لبس لعمل الحناء أو للنوم لم يمسح، فإن مسح لم يجزئه على المشهور. وكذلك روى مطرف أن ذلك لا يجزئه، وعلى من فعله إعادة الصلاة أبدا.
وقال أصبغ: يكره، فإن فعله أجزأه، وكذلك قال القاضي أبو محمد: يجزئه مع الكراهة لوجود شرط الرخصة.

.النظر الثاني: في كيفية المسح:

وفيه ثلاث طرق:
الأولى: الصفة المنقولة في الكتاب، وهي أيضا رواية مطرف وابن الماجشون، قال فيه: فوضع يده اليمنى على أطراف أصابعه من ظاهر قدمه، ووضع اليسرى من تحت أطراف أصابعه من باطن خفه فأمرهما حتى بلغ بهما إلى عقبة فأمرهما على عقبه إلى موضع الوضوء، وذلك أصل الساق وحذو الكعب.
والثانية: أن يبدأ بهما من الكعبين مارا إلى الأصابع، عكس الأولى.
والثالثة: أن يبدأ باليمنى كالطريقة الأولى، وباليسرى كالطريقة الثانية، وهي اختيار محمد بن عبد الحكم، واستحسنها بعض المتأخرين.
فرع:
لو اقتصر ماسح الخف على أعلاه دون أسفله أجزأه، وتستحب له الإعادة في الوقت، وإن اقتصر على أسفله دون أعلاه لم يجزئه، وقال أشهب: يجزئه فيهما.
وقال ابن نافع: لا يجزئه في واحد منهما.
والغسل والتكرار فيه مكروهان، ويجزئ الغسل، إن فعل، عن المسح.

.النظر الثالث: في حكمه.

وهو إباحة الصلاة بالمسح عليه إلى أن ينزعه، إذ المشهور نفي التحديد، وأن لا يلزمه النزع إلا أن يجنب، فإن أمر بغسل الجمعة أمر بالنزع.
وروى أشهب أن المسافر يمسح ثلاثة أيام، ولم يذكر للمقيم وقتا. وروى ابن نافع أن المقيم يمسح من جمعة إلى جمعة. قال القاضي أبو محمد: هذا يحتمل الاستحباب، ثم قال: بل هو مقصوده، ووجهه أنه يغتسل للجمعة. وعزي إلى مالك رضي الله عنه في الرسالة المنسوبة إليه، وتعرف بكتاب السر، أنه حد للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يوما وليلة.
قال علماؤنا: ولا تثبت هذه الرسالة. قال القاضي أبو محمد: وكان الشيخ أبو بكر في جماعة من الشيوخ ينكرونها، ويقولون: لا تصح عن مالك. ونص ما حكي عن الشيخ أبي بكر في ذلك: وقد سمعت من يذكر أن لمالك بن أنس كتاب سر، وكان مالك أتقى لله وأجل وأعظم شأنا من أن يتقي في دينه أحدا أو يراعيه، وكان مشهورا بهذه الحال، وأنه لا يتقي من سلطان ولا غيره، وقد نظرت في نسخة من كتاب السر، فوجدته ينقض بعضه بعضا، ولو سمع مالك إنسان يتكلم ببعض ما فيه لأوجعه ضربا. وقد حدثني موسى بن إسماعيل القاضي قال: سمعت عبد الله بن أحمد الطيالسي، يقول: سألت إسماعيل بن إسحاق عن كتاب السر لمالك بن أنس، فقال: سألت أبا ثابت محمد بن عبد الله المدني صاحب ابن القاسم: هل لمالك كتاب سر؟ فقال: سألت ابن القاسم عن ذلك؟ فقال: ما نعرف لمالك كتاب سر.
فرعان:
الأول: إذا نزع الخف فأجرى على حكم الموالاة، فقيل: يبتدئ الوضوء، وقيل: يغسل رجليه مبادرا، فإن أخر قاصدا ابتدأ، وهو المشهور. وقيل: له أن يؤخر إن شاء.
الفرع الثاني:
لو نزع الخفين لوجب غسل الرجلين جميعا.
فإن امتنع ليه نزع الآخر، حتى خشي إن دام على الاشتغال به فوات الوقت، فقيل: يغسل الرجل المكشوفة ويمسح على الأخرى قياسا على الجبيرة، وقيل: ينتقل إلى التيمم، لأن الرجلين في حكم العضو الواحد. وقيل: يمزق الخف، لأن المحافظة على قيام وظيفة الطهارة تقدم على حفظ مالية الخف.

.الفصل الثاني: في المسح على الجبائر:

وهو مشروع لدفع الضرر، فإذا كانت الجبيرة في أعضاء الوضوء أو في غيرها ووجب غسل الجسد، انتقل الفرض إلى مسحها.
ولا تشترط في شدها الطهارة، كما تشترط في الخف؛ لأنها ضرورية بخلافه.
ويلتحق بها ما يفتقر إلى مداواته بوضع شيء عليه، كالظفر يكسى دواء أو مرارة، وكالقرطاس يلصق بالرأس لصداع ونحوه.
وكذلك إن كانت الجبيرة لا تثبت إلا بعصابة فوقها، فينتقل الحكم إلى مسح العصابة.
وكذلك لو اضطر إلى تعدي الرباط لموضع الألم لمسح على الجميع، وتلحق بذلك الفصادة يخاف من حلها.
فروع ثلاثة:
أحدها: لو كان الموضع بحث لا يمكن وضع شيء عليه، ولا ملاقاته بالماء، فإن كان في موضع التيمم، ولم يمكن مسحه أيضا بالتراب، فليس إلا الوضوء، وتركه بلا غسل ولا مسح. وإن لم يكن في أعضاء التيمم فثلاثة أقوال.
أحدها: أنه ينتقل إلى التيمم ليأتي بطهارة كاملة.
والثاني: أنه لا ينتقل إذا وجد الماء والقدرة عليه.
والثالث: أنه يجمع بينهما، وهو رأي من أشكل عليه الأمر.
الفرع الثاني:
إذا مسح على الجبيرة ثم صح نزعها وغسل مكانها، إلا أن يكون من الرأس ولم يجنب فيمسحه.
فإن سقطت الجبيرة وهو في الصلاة، وجب عليه القطع، وردها إن احتاج إليها ومسح، وإن لم يحتج غسل الموضع أو مسحه، ثم استأنف الصلاة.
الفرع الثالث:
أن يغتسل فيمسح، ثم يصح فينسي أن يغسل موضع الجبيرة، ففي الكتاب: إن كانت في موضع لا يصيبه الوضوء إنما هو في المنكب أو الظهر، فأرى أن يعيد كل ما صلى، ومن حين كان يقدر على أن يمسه بالماء.
قال المتأخرون: ولو كان قد اغتسل لجنابة بعدما صح المكان أعاد من حين البرء إلى حين اغتسل للجنابة، ولو كان في أعضاء الوضوء لأجزأه غسله لحدث الوضوء ولم يعد ما صلى بعده، قالوا: إلا أن يكون في الرأس، إذا لا يجزي المسح عن الغسل.

.الباب السابع: في الحيض والنفاس وما يتصل بهما:

وفيه أربعة فصول:

.الفصل الأول: في أحكام الحيض:

وفيه مسائل:

.(المسألة) الأولى: في حده:

وقد حده القاضي أبو محمد، بأنه الدم الخارج من الفرج من اليفعة، فمن زاد على سنها إلى نهاية ما يقصر عن سن اليائسة، في مدة خمسة عشر يوما، فدونها إلى ساعة، من غير ولادة ولا مرض.
والاحتراز باليفعة عمن قصر سنها عن ذلك، كبنت خمس أو ست سنين؛ إذ ذلك مرض وليس بحيض، وكذلك بنت السبعين والثمانين، وكلك بنت الخمسين عند الشيخ أبي إسحاق، وباقي الحد احتراز عن النفاس والاستحاضة.

.المسألة الثانية: في مدته:

فيما يرجع إلى العبادات غير محدود، فتعتبر الدفعة الواحدة وتكون حيضا، وإن لم تكن حيضة معدودة في العدد والاستبراء، وإلى هذا المعنى أشار القاضي أبو الفرج بقوله: الدفعة حيض وليست بحيضة، وأكثر مدته محدود بخمسة عشر يوما على المنصوص.
وأكثر الطهر لا حد له، وأقله محدود، لكن اختلف هل يعتبر في تحديده عدد الأيام أو استقرار العادة؟ في ذلك قولان: ثم إذا اعتبرنا الأيام، ففي العدد المعتبر من ذلك أربعة أقوال.
قال محمد بن مسلمة: خمسة عشر يوما، وهو المشهور.
وقال ابن حبيب: عشرة وقال سحنون: ثمانية واستقرأه الشيخ أبو محمد من الكتاب.
وقال ابن الماجشون: خمسة.
ومستند هذه التقديرات هو الموجود المعلوم بالاستقراء، وحيث وقع الخلاف، فهو لاختلاف العوائد عن المختلفين فيها، وعلى هذا الأصل يخرج الخلاف في أكثر مسائل هذا الباب.

.المسألة الثالثة: فيما يمتنع به:

وحكمه امتناع أمور خمسة:
الأول: ما يفتقر إلى الطهارة؛ كسجود التلاوة والطواف والصلاة وغير ذلك، ثم لا يجب قضاء الصلاة عليها.
الثاني: دخول المسجد.
الثالث: الصوم فلا يصح منها، ويجب قضاؤه، بخلاف الصلاة.
الرابع: الطلاق، واختلف هل منعه فيه خيفة من تطويل العدة، أو هو شرع غير معلل؟ قال أبو الحسن اللخمي: وهذا هو الظاهر من المذهب.
ويخرج على تحقيق الخلاف ثلاثة فروع:
طلاق الحائض التي لم يدخل بها، والحامل الحائض، والمستحاضة يتغير دمها على القول بأن عدتها بالسنة.
الخامس: الجماع، ولا يحرم الاستمتاع بما فوق السرة، ويحرم بما تحت الإزار مما دون الفرج على المشهور.
وقال ابن حبيب: ذلك للتقية والحذر، وليس ذلك يضيق على من فعل إذا اجتنب الفرج، قال: وكذلك سمعت أصبغ يقول: ويحرم الوطء في الفرج مع استمرار الدم بإجماع، فإن وطئ عصى، ولا كفارة عليه إلا التوبة والاستغفار وترك العودة، رواه ابن وهب وعلي بن زياد.
وكذلك الحكم بعد انقطاعه وقبل الاغتسال، وقال ابن بكير: لا يحرم الوطء بعد انقطاع الدم، ولكن يكره للخلاف فيه. وفي جواز وطئها إذا تيممت قولان حكاهما الشيخ أبو الطاهر، ثم بناهما على الخلاف في كون التيمم يرفع الحدث أم لا؟.

.الفصل الثاني: في الحُيَّض:

وهن أربع:
المبتدأة، والمعتادة، والمختلطة، والحامل.
وحكمهن في ابتداء الحيض واحد، فمن رأت دما وهي في سن من تحيض، فهو حيض، ولا ينظر إلى صفته، مبتدأة كانت أو معتادة حائلا أو حاملا، لكن تتعدد أحكامهن في التمادي.
فأما الأولى:

.المبتدأة:

فإن انقطع دمها لعادة لداتها، أو دون ذلك فطهرت، اغتسلت وصلت.
وإن تمادى بها الدم، فروى علي بن زياد، أنها تغتسل وتصلي، وتكون مستحاضة.
وروى ابن وهب: أنها تستظهر بثلاثة أيام، ثم تكون مستحاضة. وروى ابن القاسم في الكتاب، وأكثر المدنيين: أنها تتمادى إلى تمام خمسة عشر يوما.
وأما الثانية:

.المعتادة:

فإن وقفت على عادتها أو أقل، فطهرت، اغتسلت، وصلت، وإن تمادى بها الدم، فهل تتمادى إلى تمام خمسة عشر يوما، أو تقتصر على مقدار عادتها والاستظهار؟ روايتان في الكتاب، وقيل: باقتصارها على العادة من غير استظهار.
فروع ثلاثة:
الأول: حيث قلنا بالاستظهار على العادة، فكانت عادتها تختلف، استظهرت على أكثرها.
وقال ابن حبيب: تستظهر على أقلها.
الثاني: أنها في أيام الاستظهار كالحائض حقيقة، فإن بقي بعدها إلى تمام خمسة عشر يوما أيام، فقيل: حكمها فيها حكم الطاهر المطلق.
وقيل: تحتاط، فتصوم وتقضي، وتصلى ولا تقضي، وتمتنع من الزوج، وتغتسل عند انقضاء الخمسة عشرة يوما. قال عبد الحق: ويكن هذا الغسل هو الواجب على هذا القول، والأول احتياط، قال: وأما على القول الأول فيكون استحبابا، والواجب هو المفعول عند تمام الاستظهار.
الثالث: إذا انقطع الدم ثم عاد بعد مضي طهر تام، فهو حيض مؤتنف، وإن كان قبل مضي طهر تام فالمجموع حيضة واحدة، إلا أن يزيد مجموع الدمين على خمسة عشر يوما، فيكون الزائد استحاضة، وكذلك لو كمل زممن الحيض من الأول، لكان الثاني استحاضة.
وفي هذا الأرض فرع تظهر فائدة الخلاف في أقل الطهر على ما تقدم.
وأما الثالثة:

.المختلطة:

وهي التي ترى الدم يوما أو أياما، والطهر كذلك، حتى لم يحصل طهر محقق، فحكمها أنها إن زاد الحيض على الطهر فهي مستحاضة. وإن تساويا أو كان الطهر أكثر، ولم ينقطع الدم أياما يكون طهرا تاما، فالمشهور أنها تلفق أيام الدم، وتحسب منها ما رأت فيه الدم، ولو طهرت في بقيته حتى تكمل لها من ذلك عادتها أو عادة لذاتها إن كانت مبتدأة، ثم يكون حكمها في الاقتصار على ذلك، أو الاستظهار عليه، أو التمادي إلى تمام خمسة عشر يوما، على ما تقدم، وتلغي في جميع ذلك أيام الطهر، ثم تكون بعد ذلك مستحاضة.
وقال محمد بن مسلمة: لا تكون مستحاضة ما لم تزد أيام الدم على أيام الطهر، وإلا فهي حائض في أيام الدم، طاهر حقيقة في أيام النقاء، ولو تمادت على ذلك عمرها.
ثم حيث حكمنا بالاستحاضة، فهي مستمرة على ذلك ما لم يتغير الدم بعد مضي مدة طهر تام، أو تستأنف بعد انقطاعه مدة الطهر.
وأما الرابعة:

.الحامل:

فحكمها في أول رؤية الدم حكم الحائل، وكذلك إن تمادى بها ولم تتغير عادتها، فإن غير الحمل عادتها وتمادى بها الدم، فالمغيرة وأشهب يجريانها مجرى الحائل، وابن القاسم وغيره يزيدون في مدة حيضها، إلا أنهم اختلفوا في مقدار الزيادة، فقال ابن القاسم في الكتاب: تمكث بعد الثلاثة الأشهر ونحوها خمسة عشر يوما أو نحو ذلك، وإذا جاوزت الستة الأشهر ثم رأته، نكثت ما بينها وبين العشرين أو نحو ذلك، وروى عنه أبو زيد: آخر الحمل ثلاثين يوما.
وقال ابن الماجشون: أكثره خمسة عشر يوما، قال: ولا أنظر إلى أول الحمل، ولا إلى آخره.
وروى مطرف: أنها إن رأته في الشهر الأول مكثت أيام عادتها والاستظهار، وإن رأته في الثاني مكثت ضعف العادة من غير استظهار. وفي الثالث تمكث ثلاثة أقوال أمثال العادة. وفي الرابع أربعة أمثالها، وهكذا حتى تنتهي أيام الدم إلى ستين يوما، فلا تزيد عليها.
وروى علي بن زياد: أنها تمكث أقصى ما يكون الدم بالحوامل، فلم يحد أياما.
وقيل في هذا: إنها تمكث ما لم تسترب من طوله، وترى أنه سقم حدث، وليس مما يعرض للنساء في الحمل.
وقال ابن وهب: تمكث ضعف أيامها فقط.
فروع مرتبة:
الأول: في معرفة الطهر، وله علامتان:
الجفوف، وهو أن تدخل المرأة الخرقة فتخرجها جافة.
والقصة البيضاء وهو ماء رقيق أبيض، يأتي في آخر الحيض، كماء القصة وهو الجير.
الثاني: وهو مرتب على الأول: أي العلامتين أبلغ؟ فروى ابن القاسم: أن القصة أبلغ من الجفوف.
وقال ابن عبد الحكم: الجفوف أبلغ.
وقال القاضي أبو محمد وأبو جعفر الداودي بالتسوية بين العلامتين.
وسبب الخلاف: اختلاف الشهادة بالعوائد.
وثمرته:
حكم من رأت غير عادتها منهما، فمعتادة الجفوف لا تنتظره على رواية ابن القاسم، ومعتادة القصة تنتظرها، وتنتظره معتادته عند ابن الحكم، ولا تنتظرها معتادتها. وأما القاضي أبو محمد والداودي فلا تنتظر عندهما، بل تعمل على أي العلامتين رأت من غير تفصيل.
والثالث وهو مرتب على الثاني: أنا حيث قلنا تنتظر علامتها، فذلك ما لم يخرج الوقت المختار، وقيل: الضروري، هذا حكم المعتادة. فأما المبتدأة التي ليس لها عادة، فقال ابن القاسم ومطرف وابن الماجشون: لا تطهر إلا بالجفوف.
وقال غيرهم: تطهر بما تراه من العلامتين، قال القاضي أبو الوليد: وهذا القول من ابن القاسم نزوع إلى قول ابن عبد الحكم.

.الفصل الثالث: في المستحاضة:

وإذا تمادى الدم بالحائض، وحكم لها بالاستحاضة على أي هذه الأقوال، فلا تخلو أن تكون مبتدأة أو معتادة، وكل واحدة منهما. إما مميزة وإما غير مميزة.
فهن إذا على أربعة أقسام:
[1] مبتدأة مميزة.
[2] مبتدأة غير مميزة.
[3] معتادة من غير تمييز.
[4] معتادة بتمييز.
فأما الأولى:

.مبتدأة مميزة:

فحيضها مدة تمييزها، بشرط أن لا يزيد على أكثر مدة الحيض، فإن زاد على أكثره، لم يكن حيضا.
وأما الثانية:

. مبتدأة غير مميزة:

وهي المبتدأة من غير تمييز، فقد تقدم المذهب فيها. قال القاضي أبو بكر: والصحيح جلوسها خمسة عشر يوما، ثم يحكم لها بالاستحاضة.
وأما الثالثة:

. معتادة من غير تمييز:

وهي المعتادة من غير تمييز، فهي على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها تقتصر على عادتها كما تقدم، قاله المغيرة، وأبو مصعب، قالا: وذلك إذا شكت، فلم تدر أذلك انتقال أو استحاضة، فإنها تغتسل وتصلي وتصوم، ولا يصيبها زوجها احتياطا، ثم ينظر إلى ما يصير إليه أمرها، فإن انقطع الدم عنها لتمام خمسة عشر يوما، علم أنه قد انتقلت عادتها، وكانت المدة كلها حيضا، وإن استمر الدم، علم أن ذلك استحاضة، واعتدت بحيضتها على ما تقدم من عادتها، وتقضي الصوم فيما بين ذلك وبين الزيادة على خمسة عشر يوما.
والقول الثاني: أنها تبلغ خمسة عشر يومان قاله مطرف.
الثالث: القول بالاستظهار على العادة كما تقدم، لكن اختلف القائلون به، هل يتجاوز به الخمسة عشر يوما، أم لا؟ فالمشهور أنه لا تتجاوزها، وفي كتاب محمد: أنها تستظهر على الخمسة عشر يوما بيوم أو يومين.
وقال ابن نافع في كتاب ابن سحنون: أنها تستظهر عليها بثلاثة أيام، وأنكره سحنون.
وأما الرابعة:

. معتادة بتمييز:

وهي المعتادة بتمييز، فالمذهب أنها تعتبر التمييز لحديث فاطمة بنت أبي حبيش، ولأن العادة قد تختلف، والتمييز لا يختلف، ولأن النظر إلى اللون اجتهاد، والنظر إلى العادة تقليد، والاجتهاد أولى من التقليد.
فرع:
والاستحاضة كسلس البول لا تمنع الصلاة، لكن يستحب للمستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة.
وأما غسلها فمن طهر إلى طهر، إن كانت مميزة، وإن لم تكن مميزة، فغسلها عند الحكم عليها بالاستحاضة يجزئها.

.الفصل الرابع: في دم النفاس:

وهو الدم الخارج من الفرج بسبب الولادة من غير مرض خارج عنها.
وفي تحديد أكثره بستين يوما، أو رد تحديده إلى العادة، روايتان في الكتاب.
ولا شك في أن ما بعد تمام الوضع نفاس معتد به، فأما الدم بين التوأمين ففي كونه نفاسا لانفصال الأول، أو حيضا لبقاء الثاني، قولان في الكتاب، وإذا قلنا بأنه نفاس.
فما بعد الثاني معه نفسا واحد.
ولو انقع دم النافس، ثم عاد بعد مضي طهر تام، فهو حيض. وإن عاد لدون الطهر فهو نفاس، إلا أن يكون النفاس كمل بالأول، فيكون استحاضة.
وحكم دم النفاس فيما يمنعه، وفي اقتضاء الغسل، حكم دم الحيض على ما تقدم والله أعلم.
تم كتاب الطهارة.
والحمد لله حق حمده.
وصلى الله على سيدنا محمد نبيه ورسوله وعبده.
بسم الله الرحمن الرحيم.
صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليما.

.كتاب الصلاة:

وفيه أبواب:

.الباب الأول) الأوقات):

وفيه ثلاثة فصول:

.الفصل الأول: في وقت الرفاهية:

أما الظهر فيدخل وقتها بزوال الشمس، وهو عبارة عن ظهور بداية انحطاطها عن نهاية ارتفاعها، فيبتدئ الظل بالزيادة بعد أن كان متناقصا.
ويتمادى وقت الاختيار إلى أن تصير زيادة ظل الشخص مثله، وبه يدخل وقت العصر، فيكون الوقت مشتركا بينهما، إلى أن تتجاوز زيادة الظل المثل، فيختص العصر بالوقت.
وقال أشهب: بل الاشتراك في القامة الأولى، فيكون ما قبلها بقدر ما توقع فيه إحدى الصلاتين مشتركا بينهما. واختار هذا القول أبو إسحاق التونسي، وحكاه القاضي أبو بكر رواية عن مالك.
وقال ابن حبيب بالتعاقب، ونفي الاشتراك، ورأى أن آخر وقت الظهر إذا كان الظل بعد الفراغ منها تمام القامة، يعين المثل.
وأول وقت العصر تمام القامة، قال الشيخ أبو محمد: هذا خلاف قول مالك رحمه الله.
ثم يتمادى وقت العصر إلى غروب الشمس، ووقت الفضيلة في الأول، وبعده وقت الاختيار ما دامت الشمس بيضاء نقية، لم تصفر على الجدران والأراضي.
وروى ابن عبد الحكم في مختصره: إلى أن تصير زيادة ظل الشخص مثليه.
قال القاضي أبو بكر: والقولان مرويان عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وهما متساويان في المعنى؛ لأن الشمس لا يزال بياضها ناصعا حتى ينتهي ثني الظل، فإذا أخذ في التثليث نقص البياض، حتى تأخذ الشمس في التطفيل، فتتمكن الصفرة، وبعده وقت الجواز إلى حين الاصفرار.
ووقت المغرب يدخل بغروب الشمس، قال القاضي أبو محمد: والمراعى في ذلك غيبوبة جرمها وقرصها المستدير، دون أثرها وشعاعها.
ويتمادى وقتها إلى مغيب الشفق على إحدى الروايتين، وهي مذهب الموطأ، وفي المدونة ما يقتضي ذلك.
وعلى الرواية الأخرى وهي رواية ابن عبد الحكم وقول ابن المواز: وقتها واحد، مضيق غير ممتد، مقدر آخره بالفراغ منها في حق كل مكلف، وهي التي حكاها العراقيون عن المذهب.
ووقت العشاء يدخل بغيبوبة الشفق، وهي الحمرة التي تلي الشمس دون البياض والصفرة، وهي آخر وقت المغرب، على مذهب الموطأ يشتركان فيها عليه.
ثم يمتد وقت الاختيار في العشاء إلى الثلث الأول من الليل، وقال ابن حبيب: يمتد إلى النصف.
وسبب الخلاف اختلاف أحاديث:
ووقت الفجر يدخل بطلوع الفجر الصادق المستطير ضوؤه، لا بالفجر الكاذب الذي يبدو مستطيلا ثم ينمحق، وهي الصلاة الوسطى.
ويتمادى وقت الاختيار إلى الأسفار الأعلى على قول، وإلى طلوع الشمس في قول آخر.
قال القاضي أبو الوليد: ولمالك مسائل يؤخذ منها القولان.
وقال القاضي أبو بكر: الصحيح عن مالك أن وقتها يمتد إلى طلوع الشمس ولا وقت ضرورة لها، قال: وما روي عنه خلافه لا يصح.
ثم يقدم أذان هذه الصلاة على الوقت لسدس يبقى من الليل.
وقال ابن حبيب: يدخل وقت الأذان لها بخروج وقت العشاء المختار.
قواعد ثلاث:
الأولى: قال الإمام أبو عبد الله: وجوب الصلاة يتعلق عند جمهور المالكية بجميع الوقت، وقيل: بل يتعلق بزمن واحد يسع فعل العبادة، ولكنه غير متعين، وإنما يتعين إذا أوقع المكلف العبادة فيه، قال: وقد قال القاضي أبو الوليد: إن هذا المذهب هو الجاري على أصول المالكية، وحكى عنه تخريجه على قول أهل المذهب في خصال الكفارة، ثم تعقبه الإمام، وفرق بأن الخصال متعلق الأحكام والزمان محل الأفعال.
وإذا فرعنا على الأول، ومات المكلف في وسط الوقت قبل الأداء لم يعص.
ولو أخر حتى خرج بعض الصلاة من الوقت، فقيل: يكون جميعها أداء، وقيل: بل القدر الموقع في الوقت فقط.
وثمرة الخلاف: وجوب القضاء على من أخرت صلاة العصر، ثم صلت منها ركعة مثلا، فغربت الشمس ثم حاضت، وعدم وجوبه، وفي ذلك قولان لسحنون وأصبغ.
الثانية: تعجيل الصلاة في أوائل الأوقات أفضل في حق المنفرد على الإطلاق، لقوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الأعمال الصلاة لأول وقتها».
ولم يعرض في الفذ عارض ينقله إلى استحباب التأخير، وحكى القاضي أبو محمد: أن حكم الفذ في ذلك حكم الجماعة، والأفضل في حق الجماعة تأخير الظهر إلى ربع القامة، ويزاد على ذلك في شدة الحر للإبراد.
وأما الجمعة، فقال ابن حبيب: سنتها في الشتاء والصيف أن تصلي في أول الوقت حين تزول الشمس، أو بعد أن تزول بقليل، قال: وكذلك قال مالك.
وتأخير العشاء أفضل، وقيل: بل تقديمها أفضل، واختار بعض المتأخرين التقديم إن اجتمع الناس، وانتظارهم إن أبطئوا. واستحب ابن حبيب تأخيرها في زمن الشتاء قليلا لطول الليل، وفي ليالي شهر رمضان أكثر من ذلك قليلا توسعة على الناس في إفطارهم.
وأما العصر، فتقديمها أفضل، وقال أشهب: يستحب تأخيرها إلى زيادة ذراع على القامة، لا سيما في شدة الحر.
واستحب ابن حبيب تعجيلها يوم الجمعة، ليقرب انصراف المنتظرين لها ممن صلى الجمعة.
وأما المغرب والصبح فتقديمها بعد تحقق دخول وقتيهما أفضل على كل حال.
الثالثة: من اشتبه عليه الوقت فليجتهد، ويستدل بما يغلب على ظنه دخوله، وإن خفي عليه ضوء الشمس، فليستدل بالأوراد، وأعمال أرباب الصنائع، وشبه ذلك، ويحتاط.
قال ابن حبيب: وأخبرني مطرف عن مالك إن من سنة الصلاة في الغيم تأخير الظهر، وتعجيل العصر، وتأخير المغرب حتى لا يشك في الليل، وتعجيل العشاء، إلا أنه يتحرى ذهاب الحمرة، وتأخير الصبح حتى لا يشك في الفجر.
ثم إن وقعت صلاته في الوقت أو بعده فلا قضاء، وإن وقعت قبل الوقت قضى، كالاجتهاد في طلب شهر رمضان، ووقع لأشهب في المجموعة: أرجو لمن صلى العصر قبل القامة، والعشاء قبل مغيب الشفق أن يكون قد صلى وإن كان بغير عرفة.
وقال ابن القاسم فيها أيضا: كمن جمع بين العشاءين في الحضر من غير ضرورة أعاد الثانية أبدا.

.الفصل الثاني: في وقت المعذورين:

ونعني بالعذر الحيض والكفر والصبا والجنون والنسيان، وللأعذار حالتان:
الأولى: أن يخلو عنها آخر الوقت بمقدار ركعة فأكثر، كما لو طهرت الحائض قبل الغروب بركعة فتلزمها العصر، ولا تلزمها بأقل من ذلك.
وقال أشهب: تلزمها بإدراك الركوع فقط، ولا تلزمها الظهر بما تلزمها به العصر، بل لا بد من زيادة عدد ركعات الظهر على ذلك، حتى يتصور الفراغ منها فعلا، ثم يفرض لزوم العصر بعدها، وهل هذه الزيادة في مقابلة الظهر أو العصر؟ قولان: والمشهور أن آخر الوقت لأولى الصلاتين.
وسبب الخلاف: هل تشترك الصلاتان المشتركتا الوقتين من أول وقت الأولى إلى آخر وقت الثانية، أو تختص الأولى من أول وقتها بمقدار ما يسع إيقاع عدد ركعاتها فيه، سفرية كانت أو حضرية، وتختص الثانية أيضا من آخر وقتها بمثل ذلك، وفي هذا الأصل قولان.
وتظهر فائدة الخلاف في المغرب والعشاء بتقدير ما يدركان به في حالتي الإقامة والسفر.
فلو طهرت الحائض لأربع ركعات قبل الفجر، لكانت مدركة للمغرب والعشاء، وقال ابن الماجشون وابن مسلمة: تكون مدركة للعشاء خاصة.
ولو طهرت المسافرة قبل الفجر بثلاث ركعات لكانت مدركة للعشاء عند ابن القاسم وأصبغ، وقال ابن عبد الحكم: هي مدركة للصلاتين جمعيا، المغرب والعشاء. قال أصبغ: هذه آخر مسألة سألت عنها ابن القاسم، فقال لي: أصبت أنت، وأخطأ ابن عبد الحكم. وذكر لسحنون قول أصبغ، فقال: أصاب ابن عبد الحكم، لأن آخر الوقت لآخر الصلاتين.
وهل المعتبر إدراك من ذكرنا هذا القدر عند زوال العذر من غير مزيد، أو بعد زوال العذر وفعل الطهارة؟ اختلف في ذلك، فحكى ابن سحنون عن أبيه، وابن حبيب عن أصبغ أنهما قالا: تعتبر في جميعهم بعد زوال العذر مدة الطهارة. قال القاضي أبو محمد: وهو القياس.
وقال ابن القاسم: تعتبر في جميعهم، إلا الكافر لأنه لم يكن معذورا بتأخير الصلاة، بخلاف غيره، وقال ابن حبيب: باستثناء الكافر والمغمى عليه.
وقال بعض المتأخرين بجريان الخلاف في الجميع، وبناء الخلاف فيهم على أن الطهارة شرط في الوجوب، أو في الأداء؟
فرع:
لو زال الصبا في الوقت بعد أداء الصلاة وجبت إعادتها، وقيل: بنفي وجوب الإعادة، وهو في السليمانية.
وكذا الخلاف لو بلغ بعد أداء الظهر، وقيل إقامة الجمعة.
الحالة الثانية: أن لا يخلو آخر الوقت عنها، بأن يعم العذر جميع الوقت، فيسقط القضاء عن الحائض، وكذلك لو دخلا أول الوقت فقط، لسقط القضاء أيضا عنها، بل لو طرأ الحيض وقد بقي من الوقت مقدار ما يسع الصلاة أو ركعة منها، لم يلزمها القضاء إذ حاضت والوقت باق.
والمرتد كالكافر الأصلي، لا يجب عليه قضاء. والصبي يؤمر بالصلاة لسبع سنين، ويضرب على تركها لعشر، وإن لم يكن عليه قضاء، والإغماء في معنى الجنون، قل أو كثر.
وأما السكر وزوال العقل بسبب محرم، فلا يسقط القضاء. قال الإمام أبو عبد الله:
والمراد بالنسيان المذكور في الأعذار، ما اقترن به الخروج للسفر، أو القدوم منه، كمن نسي صلاة في الحضر، فخرج في آخر وقتها، أو بعد تقضي الوقت. وكذلك في المسافر يقدم، قال: لأن الناسي الذي لم يتغير حلاه بقدوم ولا سفر، يصلي متى ما ذكر، لا يختلف حكمنه في هذا باختلاف الأوقات، وإنما يختلف حكم من تقدم ذكره.
والمقصود من هذا القسم، بيان حكم أداء الصلاتين المشتركتين حضريتين أو سفريتين أو إحداهما حضرية، والأخرى سفرية.
فإن خرج وقد بقي عليه من النهار مقدار ثلاث ركعات فأكثر، صلى الظهر والعصر سفريتين، وإن كان دون ذلك إلى ركعة، صلى الظهر حضرية، والعصر سفرية.
ولو قدم وقد بقي للغروب خمس ركعات فأكثر، صلاهما حضريتين. وإن كان الباقي دون ذلك إلى ركعة، صلى الظهر سفرية، والعصر حضرية.
ولو سافر قبل الفجر بأربع ركعات، صلى العشاء سفرية، فإن كان سفره قبله بدون ذلك؛ فحكى الشيخ أبو القاسم في قصرها وإتمامها روايتين.
وإن قدم قبل الفجر بأربع ركعات، صلاها حضرية، وإن كان أقل من ذلك، فخرجها الشيخ أبو القاسم على روايتين.
فروع أربعة:
الأول: كمن بقي بينه وبين غروب الشمس، من أصحاب الضرورات مقدار ما يعتبر فلي الصلاتين أو في العصر خاصة، فذكر صلاة منسية، فإنها يصليها.
ثم اختلف قول ابن القاسم، هل عليه إذا صلى المنسية وغرب الشمس قضاء الصلاة التي استحقت الوقت بحكم الأداء، قياسا على أصحاب الاختيار إذا أخروا الصلاة حتى ضاق الوقت، وذكروا صلاة منسية، فإنه لم يختلف أنهم يصلون ما حضر وقته بغد فراغهم من المنسية، أو ليس ذلك على أهل الأعذار لأن منعه بالشرع من أداء الصلاة التي استحقت الوقت لأجل اشتغاله بالصلاة المنسية ووجوب تقدمتها عذر يمنع من توجه الصلاة المستحقة للوقت عليه، كما كان الحيض مانعا من توجهها، لما جاء الشرع يمنع الحائض من الصلاة.
الفرع الثاني:
إذا تطهرت الحائض وبقي لها بعد فراغها ما تدرك به الصلاة فأحدثت، فشرعت في الطهارة، فلم تفرغ منها حتى غربت الشمس، وجب عليها قضاء الصلاة، لأنها كانت قبل طروء الحدث مطلوبة بالصلاة، فطروؤه عليها كطروئه على من توجه عليه الطلب بالصلاة. وقيل: لا يجب عليها قضاء الصلاة، بل يسترسل حكم نفي الخطاب عليها.
الفرع الثالث:
إذا اغتسلت الحائض بماء غير طاهر، فلما أخذت في الإعادة بالماء الطاهر خرج الوقت، لم يلزمها قضاء ما فات لأجل تشاغلها بالغسل المعاد؛ لأن منعها من الصلاة بالطهر الأول، كمنعها من الصلاة بالحيض، ولو أعادت لكان أحوط. وحكى الشيخ أبو الطاهر قولا بوجوب الإعادة، وقيل: لا تؤمر بالقضاء إذا كان الماء الأول لم يتغير؛ لأن الصلاة به تجزئ، وإنما تعاد في الوقت طلبا للكمال، ولهذا قال أشهب: لو علمت المتطهرة بهذا الماء أنها إذا أخذت في إعادة الغسل غربت الشمس، كانت صلاتها بذلك الغسل أولى من اشتغالها بإعادة الغسل حتى يفوت الوقت.
الفرع الرابع:
لو قدرت بعد فراغها من غسلها ما قبل الغروب بخمس ركعات وأخذت في صلاة الظهر فغربت الشمس عليها في أثنائها، فعليها صلاة العصر؛ إذ لا تسقط الصلاة الواجبة بخطئها واشتغالها بفعل صلاة غير واجبة.
ولو كان تقديرها صحيحا، لكنها صلت العصر ناسية للظهر، لوجبت عليها صلاة الظهر لإدراكها وقتها، ولا يسقط الإدراك بفعل خطأ كما تقدم.
ثم إذا صلت الظهر، فهل تؤمر بقضاء العصر لأنها أوقعتها في غير وقتها؛ إذ الأربع الأول من الخمس البواقي مختصة بالظهر، فتكون كموقع عقيب الزوال بغير فصل، أو لا إعادة عليها؛ لأن الصلاة لا تعاد لأجل المنسية إلا في الوقت؟ قولان.